الأخلاق 1

الأربعاء، 21 أغسطس 2019






في احدى حلقات The Blacklist  - لا أحد يشوفه مون تغير عليه- تطوع مجموعة من القتلة المتسلسلين لإيقاف ومعاقبة المجرمين الذين فشلت الأنظمة القانونية في إدانتهم وافلتوا من العقاب. رغم أسلوب الشجب الأخلاقي المتطرف الذي استخدموه، ورغم تعديهم على القانون؛ إلا أن جزء منك على الأقل سيؤيد ما فعلوه -خاصة لو شاهدت الحلقة وعرفت جرائمهم- هذه المعضلة الأخلاقية تثير سؤال جوهري:

هل كل ما هو قانوني أخلاقي؟


أن تقول عن أمر ما أنه خاطئ لا يعني فقط أنه مخالف للقوانين؛ إذ يمكن أن تكون هناك قوانين سيئة تجّرم ما هو غير خاطئ (مثل قانون يجّرم النقد)، ويمكن أن تكون هناك قوانين سيئة لأنها تُلزم بشيء سيء (مثل قوانين التمييز العنصري سابقاً)، كما أن هناك قوانين وضعت لتحمي مصالح معينة. القانون احياناً يسمح لبعض المجرمين بأن يفلتوا من العقاب، ويدّين بعض الشرفاء الأبرياء ويصادر حرياتهم. تختلف فكرة الخطأ والصواب عن فكرة ما هو قانوني وما هو مخالف للقانون.
إذن ما الدوافع التي تجعلك تقيّم أمر ما على أنه خاطئ ولاأخلاقي؟

١- تأثير الفعل على الآخرين
البعض منا يحاجج بخصوص الواسطة ولو أخبرته بأن استخدامه سلطة العلاقات للحصول على فرصة (وظيفة أو سرير في المستشفى .. الخ) سيتسبب في حرمان وضرر من هم أحق بها منه، وغياب العدالة، وشيوع الفساد في الأرض؛ سيعثر لك على ألف مبرر أناني.
٢- القانون
سيظل البعض يستخدم الواسطة طالما أنها تحقق مصالحه حتى وإن كانت تدمر الآخرين. البعض لا يهتم بإيقاع أي ضرر لأي أحد في سبيل حماية مصالحه الشخصية. لن يقتنع إذا أخبرته أن سلوكه يضر الآخرين، لأنه لا يهتم للآخرين اصلاً
يحتاج لأن تعطيه سبب أكثر إقناعاً ليمتنع عن الفعل الخاطئ، سبب يقع في إطار تفكيره المحدود بذاته، ويهدد مصالحه الشخصية ليجبره على الامتناع عن الخطأ، كأن تقول: (عليك أن تمتنع عن ذلك لأنه يخالف القانون وسيعرضك للعقاب).
٢- الدين
يمكن التحايل على القانون، ويمكن للمسيء أن ينجو بفعلته؛ لذا البعض يحتاج لأن ترتبط المبادئ الأخلاقية لديه بالدين؛ بحيث يبدو أن الفعل السيء يحقق مصالحك في الدنيا وبصورة مؤقتة، ولكنه سيؤدي إلى عاقبة أبدية سيئة. (إذا نجوت من العقاب في الدنيا لن تفلت من عقاب الله في الآخرة)
"ربما علينا أن لا تكون علاقتنا بالله مجرد طاعة للأوامر رغبة في الثواب وامتناع عن المعاصي خوفاً من العقاب
علاقتنا بآبائنا مثلاً أعمق من ذلك، فنحن نتبع أوامرهم لأننا نحبهم ونعتمد عليهم ونثق بحكمتهم وبصيرتهم ونظرتهم للأمور."
"هناك ثلاث اعتراضات شهيرة على الدافع الديني للاخلاق:
·      يجحد العديد من الناس وجود إله ومع هذا يتمسكون بالأخلاق.
·      إذا وجد إله يحرم ما هو خاطئ فليس هذا ما يجعله خاطئاً، فالفعل خاطئ بحد ذاته لهذا حرمه الإله، كما يمكن أن يحرم الإله فعل ويعاقب عليه لكن ذلك لن يجعل منه فعل خاطئ (كلبس الجورب الأيسر قبل الأيمن فرضاً).
·      لا يبدو الخوف من العقاب والأمل في الثواب ولا حتى حب الإله دوافعاً مناسبة للأخلاق فعليك أن لا تقتل أو تسرق أو تخدع .. عليك تجنب هذه الأمور لأنها سيئة وليس فقط لأنك تخاف على نفسك من عاقبتها أو لا ترغب في إغضاب خالقك."
٣- تدوير الخير
البعض دافعه هو اعتقاده بأن عليه أن يتعامل مع الآخرين بمراعاة لكي يفعلوا المثل معه. هذا الاعتقاد يكون صالحاً فقط إذا كان ما تفعله سيؤثر على كيفية تعامل الآخرين معك، وقد تتخلى عن السلوك الأخلاقي إذا خذلتك ردود فعل الآخرين أو لم تكن في نفس مستوى أفعالك الطيبة!!
 على نظام " احسب الناس مثلي في طيبي وعلى نفسي ابديهم ومليون مرة انصدم فيهم"
٤- المشاعر تقود الأخلاق
ربما سمعت بمن يقول أن السبب الوحيد لفعل الصواب هو أنه يجعل فاعله يشعر بالراحة وأن يجتنب الخطأ لأنه سيجعله يشعر بالذنب والسوء، لا يوجد قوانين موضوعية لحل الألغاز الأخلاقية في كل موقف. وأحياناً على كل شخص أن يقرر ما هو صواب بالاستناد إلى ضميره ومشاعره التي تصاحب الفعل؛ فإذا كان يشعر بالسوء من الكذب على صديقه فلا يجوز له أخلاقياً القيام بذلك، وإذا كان يحاول حماية صديقه بالكذب عليه ويشعر بشعور جيد لذلك فالكذب جائز أخلاقياً.
"غالباً ما يشعر الناس بشعور جيد حين يفعلون ما يعتقدون أن عليهم فعله ويشعرون بالسوء حين يفعلون ما يعتقدون أنه خاطئ لكن هذا لا يعني دائماً أن المشاعر هي دوافعهم، ففي حالات كثيرة تكون المشاعر نتيجة وليست دافعاً للسلوك.
المشاعر لا ينبغي أن تدلنا على ما هو صواب أو خطأ، وإذا كان الدافع هو راحة ضمائرنا فحسب فسنجد أن الفعل الأخلاقي الذي يبدو فيه الشخص مضحياً بمصالحه من أجل الآخرين ناتج عن رغبة في الشعور بالزهو والرضا وتقدير الذات أما من لا يثير فيهم فعل الصواب مثل هذا الشعور فلن يكون لديهم سبب ليكونوا أخلاقيين."
كما كشفت الأبحاث الحديثة عن وجود "نشوة الغشاش" أو " سكرة الغشاش" حيث يستمتع البعض بنجاحهم في خداع الآخرين. كما قد يشعر البعض بالذنب من أمور عادية لا ذنب لهم فيها؛ لذا يوصي علماء النفس بالواقعية الأخلاقية بعيداً عن النتيجة العاطفية. فبالرغم من أن العاطفة توفر لنا المعلومات التي تشير لنا نحو طريق الصواب فلا ينبغي الاكتفاء بها كدليل أخلاقي، فلا نعتبر أن سلوكنا خطأ لأننا نشعر بالسوء إنما نشعر بالسوء لأن سلوكنا كان خطأ.. يبقى الشعور مجرد نتيجة.
يعجبني رأي لفرانكل حيث يعتقد أن من يتبع الخيارات الأخلاقية من أجل أن يريح ضميره ليس إلا فريسياً، والفريسيون طائفة من اليهود عاشت في عهد المسيح عليه السلام وعرفت بتمسكها بالطقوس الدينية والتقوى الكاذبة والتظاهر بالصلاح. "الأخلاق الحقة هي أكثر من حبة دواء منوم أو عقار مهدئ والقديسون أذهانهم ليست مشغولة بالرغبة في أن يصبحوا قديسين."
٥- قيم المجتمع
قد تشعر بأن تجاوز قيم المجتمع التي يتبناها معظم أفراده علامة على أن أحدهم في الجانب الخاطئ؛ أي أن المعايير الأخلاقية تنشأ عن التقاليد. المشكلة أن الأطفال يتشربون هذه المعايير في مرحلة مبكرة من أعمارهم دون أن يختاروها ودون أن يعرفوا أن هناك بدائل آخرى. ولك أن تتخيل في حال كانت هذه المعايير خاطئة ولاأخلاقية.
المعارضة الاجتماعية لا تعني أن الشيء خطأ؛ على الرغم من أننا نحب أن نعتقد أننا نتوصل إلى أحكامنا الأخلاقية بعد مداولات عقلانية مضنية إلا أن نموذج Haidt (النموذج الاجتماعي الحدسي) يعتبر العملية عكس ذلك تماماً: نحن نحكم بديهياً ثم نبذل الجهد للبحث عن الأسباب المنطقية لهذا الحكم. يرى هايدت أننا نصل لأحكامنا من خلال الحدس المشحون عاطفياً والحدس غير موضوعي ولا يتبع أي دليل منطقي.
لذا؛ إذا كنت تدين أخلاقياً شيء ما ولكنك غير قادر على تقديم سبب منطقي مبدئي لهذا الحكم؛ فإن الاستمرار في إدانته هو أمر لا أخلاقي، والأمثلة كثيرة: قيادة المرأة، ابتعاثها، عملها، سفرها، وحقها في اتخاذ قراراتها الشخصية كإنسان راشد عاقل كامل الأهلية.
-       خطأ / حرام / لا يصلح
-       لماذا تعتبره خطأ؟
-       لأن الخطأ خطأ / للوقاية / للاحتياط ... لسيناريوهات افتراضية احتمالية حدوثها لا تتعدى 10٪



للحديث بقية ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق