"بدأنا نتحاور .. و نمت للحوار أظفار و مخالب" غازي القصيبي
ننهمك في التعبير عن أنفسنا أو إثبات وجهة نظرنا و الدفاع عنها .. ننجرف أحياناً ونؤلم أشخاص نحبهم ونحترمهم ..
كل مشاكل البشرية .. إبتداء من شجار طفلين حول لعبة مروراً بالطلاق و إنتهاء بالحرب العالمية الثانية هي نتيجة لفشل في الحوارات ..
حين تندلع شرارة الاختلاف في الرأي ..
تتزايد حدة النقاش .. تتعالى الأصوات .. يتسارع تدفق الجمل .. وتفقد السيطرة على اختيارك للكلمات ..
و صدقني ستأسف .. ستأسف لاحقاً لما تقول ..
وقبل أن يدمر الجدل أكثر مما سبق أن دمر من علاقاتنا الإجتماعية..
هنا أوصي نفسي و أوصيكم ..
١-لا تجادل فيما ليس لك به علم: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) و (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) و (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ) و ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)
٢- لا تجادل في الحق بعدما تبين لتنتصر لرأيك: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ)
٣- لا تجادل بالباطل لتدحض به الحق: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) و (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ)
و أسأل الله أن يمنحك البصيرة ويُمكّنك من التفريق بينهما..
٤- لا تكن ببغاء: وتكرر ما يقوله الرواد في التيار الفكري الذي اخترت إتباعه .. حرِّر فكرك من أي تبعية .. لا تتبنى أي إيديولوجيات و لا تستخدم القوالب الجاهزة للتفكير.. و تأمل كم مرة تكررت في القرآن الدعوات للتفكر وكم تكررت جملة (أولي الألباب) .. فقد أبتلانا الله بكثير من البارعين في الكلام يزينون لنا الباطل بالاستدلال القائم على الخداع والمغالطة والتضليل (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ)
(وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ)
لا أظن أن مهمة الشياطين مجرد أن تدلك على المنكر مباشرة وبهذه الطريقة الساذجة إنما مهمتها أن تبرر لك وتسوغ لك المنكر وتقنعك به..
٥- لا تجادل في آيات الله: واجهت في تويتر من أحاججه بنصوص قرآنية فيرد علي بأفكار مستهلكة موروثة ضدها تماماً -في موضوع حد الردة مثلاً - .. فكيف يّدعي التمسك بالدين ويتهمني بالانحراف عنه وهو يحترم أقوال البشر ولا يقبل الاحتكام لكلام الله؟؟!
(الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) البعض غرتهم أعمالهم الصالحة و أصابهم العجب والفخر .. (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) و استعيذوا بالله من أن يحبط العجب أعمالنا ونصبح من (الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)
٦- لا تكن دوغماتي: تحتفظ لسنوات بمنظومة أفكار منغلقة تتعالى على المراجعة ولا تتقبل أي مدخلات جديدة .. تحقق من مرونتك الفكرية و أخضع أفكارك للشك والتساؤل .. وكن مُنفتحاً؛ لا تقرأ ما يعزز أفكارك القديمة وتبحث فقط عما يؤكدها ..
٧- هي وجهات نظر: يظن الجميع أنهم على صواب .. لكن آراؤنا وتصوراتنا تتأثر بخبراتنا السابقة و طريقة تفسيرنا للأمور .. فوجهات نظرنا تتشكل بحسب الزاوية التي ننظر منها للموقف الكلي.. ذلك يشبه وجود عدة زوايا لرؤية الشيء نفسه، ولكن هناك من يصر على أن رؤيته صحيحة و رؤية غيره خاطئة و هو ما يفوِّت علينا إيجاد نظرة شاملة للموقف .. فغالباً ما تتكامل وجهات النظر وتشكل صورة كلية متعددة الأبعاد للحقيقة..
لذلك كن متسامح ومتقبل لاختلافات الرأي .. القدرة على التسامح مع الاختلافات ضرورية للحفاظ على العلاقات الاجتماعية..
٨- لا تسع لكسب النقاش: ولسلامتك لا تحاور من هدفه مجرد كسب النقاش .. (الصمت أفضل من النقاش مع شخص تدرك جيداً أنه سيتخذ من الاختلاف معك حرباً لا محاولة فهم) غسان كنفاني
البعض تجده في الحوارات ككلب حراسة شرس ينبح بقوة للدفاع عن معتقداته وكأنها الحقيقة المطلقة وكل ما عداها زيف وباطل .. دعوني "اتشيطن 😜" و أسميه: (كلب الحوارات)
ضع أفكارك بهدوء على طاولة النقاش و أدعمها بما يؤيدها ولا تجتهد كثيراً في الدفاع عنها .. و تحمّل أن تكون مخطئاً ولا تستحي من التراجع عن موقفك .. الخطأ سمة بشرية و ليس عيباً
٩- لا تسخر من الرأي الآخر: مهما بلغت درجة السذاجة فيه و الانفعال حاول أن تكون ودي و متفهم و لا تقل مباشرة "أنت مخطيء".. السخرية والتهكم والحط من الآخر سينفر الآخرين منك فلا أحد يحب أن يكون في موقف الغبي .. ومن الخسة و الدناءة و الغرور أن تتعمد جعل محاورك يبدو كالأحمق ..
أبحاث عالم النفس جون جوتمان في سيكولوجية الزواج أكدت أن استخدام الأسلوب الساخر تجاه آراء و تعليقات الطرف الآخر هو أفضل منبيء بحدوث الطلاق.
٩- حافظ على مسار الحوار و تعلم كيف تنهيه: لا أحد يحب أن يدخل في متاهة مملة من الكلام .. لا يخرج من دائرة موضوع حتى يدخل في دائرة موضوع آخر مع شخص يعرف كيف يبدأ ولا يعرف كيف ينتهي ..
الحوار الصحي ينتهي بتعلم أمور جديدة و إجماع على نقاط محددة أو تقبل الاختلاف في الرأي (إتفقنا أن لا نتفق)
١٠- لا تحاكم النوايا: هذا يريد إفساد المجتمع وهذا ينوي فرض وصايته على المجتمع .. كن من طلاب الحقيقة أياً كان من يقولها بعيداً عن شخصنة الأفكار و دع عنك نواياهم لأنك لن تتيقن منها أبداً .. وقد تقع في رذيلة سوء الظن ( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )
١١- (جَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ): بتفهم ورفق ولين وتعاطف وبألفاظ منتقاة .. أين الذين شنعوا على الصوفية في الحرم من قوله تعالى (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) لماذا الهجوم؟؟!! جادلوهم برفق في انحرافهم العقائدي -طالما لم يظلموا أحد-
١٢- لا تكثروا الجدل أصلاً: الحياة أقصر من أن نقضيها في نقاشات حول مواضيع جدلية مُختلف فيها ..
إعملوا وفي الفائض من أوقاتكم تبادلوا القصص الطريفة و الضحكات و "الكلام الحلو" 💗
0 التعليقات:
إرسال تعليق