كما أن للجسد نظام مناعة لاإرادي لحمايته من مسببات الأمراض، النفس أيضاً لديها نظام مناعة لاواعي ( لاشعوري وغير مُدرك) لحمايتها من مسببات الاضطرابات النفسية..
ميكانيزمات (آليات) الدفاع النفسي هي حيل يستخدمها العقل اللاواعي (اللاشعور) لصد و تجنب و إخماد أو تزييف أو إعادة تشكيل و تغيير الواقع وتزويره أو تحويره وتمويهه أو تضعيفه لجعله مستساغ أكثر .. ومقبول أكثر بالنسبة للعقل الواعي (الإدراك، الشعور)..
لماذا؟؟
حتى لا نفقد صوابنا و إتزاننا فالواقع على حقيقته يمثل تهديد لصورة الذات وتماسكها و إتزانها وتوافقها وقد يتسبب في توترها وبالتالي اضطرابها و انهيارها..
يسهل أن ترى ميكانيزمات الدفاع النفسي في تعاملاتك اليومية لأن جميع البشر الطبيعين يلجأون (لاشعورياً) لاستخدامها في بعض المواقف .. لكن الإسراف في استخدامها قد يكون مؤشر على وجود اضطراب نفسي..
أول من أشار لها في اعماله الأب الروحي للتحليل النفسي سيجموند فرويد وجمعت إبنته آنّا ١٠ منها والباحثون اليوم صنفوا أكثر من ٤٠ ميكانيزم .. المعرفيون يسمونها: (الخداعات الذاتية الخلاقة) سأعدد هنا أشهرها -بدون تصنيف-..
١- الكبت: قمع و إخفاء و دفن الأفكار المهددة أو الأحاسيس المؤلمة أو الرغبات غير المقبولة اجتماعياً ونفيها إلى اللاوعي فينساها الشخص فعلياً لكنها وكعادة مكنونات اللاوعي تعود لتظهر بشكل أو بآخر بصورة رمزية من خلال الأحلام مثلاً.
٢- التماهي: الاندماج والتوحد اللاواعي مع شخص آخر وتبني صفاته حتى تصبح جزء من الهوية فتذوب الشخصية وتتماهى مع شخصية الآخر .. التماهي يقوم على الإعجاب أو الخوف الشديد .. فتجد زوجة تتماهى مع شخصية زوجها المستبد مثلاً..
ويختلف عن التقليد في كونه لاشعوري.
٣- النكوص: العودة إلى مراحل سابقة من النمو النفسي (نمو الشخصية) حيث تكون متطلبات الحياة أقل و الشعور بالآمان أكثر في تلك المرحلة .. بدلاً من التعامل الناضج مع الواقع الحالي .. البكاء مثلاً يفسر على أنه صورة للنكوص في مواقف الضعف .. الطفل الذي يحبو ويرضع بسبب الغيرة يمثل صورة آخرى للنكوص.
٤- الإسقاط: ( رمتني بدائها و أنسلت) يتم فيه نسب المشاعر والأفكار غير المقبولة والتي تسبب التوتر إلى الآخر لأن من الصعب مواجهة حقيقتها.. مثلاً: فتاة تحب شخص لكنها تقنع نفسها و الآخرين: (هو يحبني ويلاحقني) أو مثلاً تغار منها لكن تقول: (هي تغار مني)
و تقوم على فكرة الإسقاط إختبارات نفسية شهيرة مثل الرورشاخ.
٥- التكوين العكسي: قلب الرغبات أو المشاعر والميول غير المقبولة التي ينفر منها الضمير أو يستهجنها المجتمع إلى عكسها تماماً والتصرف لاشعورياً ضدها وبصورة مبالغ فيها .. مثلاً إمرأة تنجذب لغير زوجها داخلياً لكن هذا يشعرها بالتوتر لأنها لا تقبل الخيانة فتلجأ لاشعورياً للمبالغة في الإهتمام بزوجها وحبه..
٦- الإبدال: نوعين
- التسامي: الإعلاء من أسلوب التعبير عن الدوافع و الرغبات الغير مقبولة اجتماعياً بطريقة راقية وإبداعية وفنية مثل التعبير عن العدوانية برياضة الملاكمة وعن الميول الجنسية بالشعر والغناء.
-التعويض: تغليف خلل ما أو ضعف ما من خلال المبالغة في إظهار صفة مرغوبة والنجاح في ميدان لتعويض العجز في ميدان آخر وهذا يفسر تفوق بعض ذوي الإحتياجات الخاصة في بعض المجالات.
٧- الإنكار: أن يرفض الشخص تقبل الواقع الصادم ويصعب عليه إدراكه فتجد من فقد عزيز يكرر (أشعر أنه لم يمت) ومن تفتقر للحب تقول (لست بحاجة رجل).
٨- الإزاحة: نقل المشاعر والرغبات والميول غير المقبولة من مصدرها الحقيقي و إزاحتها لمصدر آخر لا يمثل تهديداً ولا يتسبب بتوتر .. مثلاً زوجة تكره زوجها لكن تخاف منه فتزيح مشاعرها السلبية لأبنها الذي يشبه والده، أو فتاة لا يمكنها توجيه عاطفتها لشاب فتزيحها لحيوانها الأليف..
٩- التبرير: نسب العجز أو التصرفات غير المقبولة إلى أسباب خارجية تبدو أكثر منطقية بالنسبة للشخص لتخفيف حدة الشعور بالنقص أو بالإثم أو بالمسؤولية ..
يمثله (اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول) لتبرير العجز.. و تجد من يبرر قسوته بالحرص والحزم و إنحلاله الأخلاقي بالحرية والانفتاح لإبطال مشاعر الذنب.
ويختلف عن الكذب في كونه لاشعوري.
١٠- الانفصال: تعديل نفسي مؤقت يفصل الشخص عن إدراك واقعه السيء فيلوذ بخياله .. كما في أحلام اليقظة
١١- العزل: فك الرابطة بين أنماط السلوك المتناقضة لتخفيف الشعور بالذنب و إقناع الذات بانفصال كل فعل عن الآخر.. فتجد من يصلي ويتصدق ويدعي و لكنه يحتال ويختلس ويسرق المال العام مثلاً .. احلام تحضن الرجال و مسوية داعية في تويتر عادي 😂
١٢- الانسحاب: بالانعزال والانزواء وتجنب الواقع والبعد عن العلاقات والحياة الإجتماعية.
في المراحل المبكرة من العمر يكثر استخدام هذه الدفاعات النفسية لكن مع النمو و النضج وتراكم الخبرات الحياتية يفترض أن يطور الشخص ميكانيزمات جديدة (شعورية وواعية هذه المرة) ويلجأ لأساليب أكثر عقلانية وحكمة و إبداع لمواجهة تحديات الواقع بدلاً من الهروب منه أو تزييفه وتزويره .. مثل:
التقبل، التحمل والصبر، المقاومة والشجاعة، الاعتدال، التسامح، الغيرية، الفكاهة
والفن .. الفن .. الفن .. الفن << أرقى أساليب التعبير البشري..
اخيراً:
"يواجه الشخص إذا أستطاع ذلك، ويدافع إذا كان مضطراً، ويتشتت (يمرض) إذا كان مجبراً على المرض"
هان؛ محللة نفسية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق