حتى في ظل الظروف المريعة -في حلب مثلاً- تجد من يحتفظ بقوته وتماسكه وثباته وكرامته ويحدوه الأمل في المستقبل ويحاول تهدئة الآخرين ويكون مصدر إلهام لهم يساعدهم على تجاوز المحنة.
إنسان كهذا كيف يحافظ على ثباته واستمراريته؟؟!! كيف يجد في الحياة ما يجعلها جديرة بالبقاء؟؟!!
مجرد متابعتي لأخبارهم و مدى انتشار القهر والظلم في هذا العالم و إضافة إلى ضغوط البطالة و محاولاتي الفاشلة للتغيير تشعرني بالتبلد و الاستسلام وتثير في الرغبة بمغادرة هذا الكوكب القذر.
قد يصل الإنسان إلى الاحساس أن ظروفه هي أسوأ ظروف ولا يستطيع الاستمرار في هذا الألم وتبدو الحياة في نظره عبثية لكن... "إني أجرؤ على القول بأنه لا يوجد في الدنيا شيء يمكن أن يساعد الإنسان بشدة على البقاء حتى في أسوأ الظروف مثل معرفته بأن هناك معنى لحياته" هذا ما يقوله فيكتور فرانكل مؤسس العلاج بالمعنى وصاحب الكتاب الشهير (الإنسان يبحث عن المعنى)
فرانكل طبيب الأعصاب وعالم النفس -معظم علماء النفس أطباء أعصاب!- بعد تجربته المريرة كمعتقل في معسكرات الاعتقال النازية خرج برؤية فريدة و سد الثغرة الروحية في مدارس علم النفس الموجودة حينها؛ حيث تؤكد مدرسة التحليل النفسي على أن الإنسان مجرد ضحية لخبرات الطفولة وتأثير ظروف محيطه الإجتماعي، والمدرسة السلوكية التي تفسر السلوك الإنساني كفعل و رد فعل بشكل آلي.
فرانكل يعتقد أن علم النفس حينها لم يستطع تقدير الطبيعة المتعددة الأبعاد للإنسان، و رغم أنه لم ينكر الأثر الكبير للوراثة وظروف البيئة إلا أنه أصر أن لدينا مساحة لحرية الإرادة والاختيار و علينا مسؤولية في مواجهة أقدارنا و إيجاد معنى لحياتنا..
يرى فرانكل أن "من يمتلك سبباً ليعيش من أجله فإنه يستطيع غالباً أن يتحمل بأية طريقة و بأي حال"
و الذين آمنوا بأن للحياة غاية كانوا الأقدر على مواجهة الصعاب، وهنا يبرز دور المعتقد الديني؛ فالإنسان يستمد معنى الحياة من إيمانه، و اعتقاده بوجود حياة آخرى ينتصر فيها الخير على الشر، وبأن هناك من يعلم بمدى تمسكه بالقيم والأخلاقيات وبأنه سيكافئها في النهاية، وبأن الإله الذي يكتب له قدره "حكيم"؛ فهناك حكمة مخبأة حتى في أحلك الظروف و أكثرها قتامة. فالمعاناة جزء من الحياة ويتعذر الخلاص منها لكنها تصقل شخصياتنا و هناك فرصة لتحقيق قيمة معنوية من خلالها و (ما لا يقتلك سيجعلك أكثر قوة) كما يقول نيتشه، لذلك يجب أن تتوقع اللحظات القاسية وتواجهها وتتقبلها وتتحملها وتخرج منها بشكل أفضل.
إياك أن يمر عليك الألم دون أن تتعلم منه درساً أو تخلق منه فرصة لتغيير شيء في نفسك أو العالم من حولك. يقول دوستوفيسكي "يوجد شيء واحد فقط يروعني وهو ألا أكون جديراً بالآمي".
و إياك أن تتسرع في الحكم على حياتك وهي لازالت في طور التشكل .. انتظر حتى النهاية سيأتي يوم و تتمكن من إيصال النقاط ببعضها وسترى الصورة الكلية التي رسمها القدر لحياتك وستفهم عندها الحكمة الإلهية من كل ما حدث معك .. نحن لا نتبين معنى موقف صعب ومؤلم إلا لاحقاً.. ووربما لا يبرز جمال الصورة إلا من خلال المعاناة.
"الشيء الوحيد الذي لا تستطيع أخذه مني هو إختياري للطريقة التي أتجاوب بها مع ما تفعله بي، آخر ما يتبقى من حرية الإنسان هي مقدرته على إختيار موقفه من كل ظرف" هنا يرى فرانكل أن هذه الحرية الداخلية في اختيار استجابتنا للظروف العصيبة هي التي لا يمكن سلبها من الإنسان، وهي التي تتسامى به فوق أقداره، و تخلق الفارق بين من أختار دور الضحية ومن أختار دور البطل. و"قد يتحول القبول الواعي للمعاناة أو القدر إلى أحد أعظم الإنجازات الإنسانية"
و استناداً إلى خبرته العلاجية يقول فرانكل "إن ما أسميه الفراغ الوجودي يمثل تحدياً للعلاج النفسي المعاصر حيث تتزايد أعداد المرضى الذين يشكون من الخواء الروحي و الشعور بانعدام المعنى في الحياة" فتمسك بالإيمان و ثق بالله و "عش كما لو كنت تعيش مرة ثانية و قد تصرفت بشكل خاطيء في المرة الأولى".
و إن لم تعثر حتى الآن على معنى لوجودك ..
فأقترح أن تبدأ بالبحث عنه ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق